فصل: قال نظام الدين النيسابوري في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال البيضاوي:

{ذلك} إشارة إلى ما ذكر من نبأ يوسف عليه الصلاة والسلام، والخطاب فيه للرسول صلى الله عليه وسلم وهو مبتدأ. {مِنْ أَنبَاء الغيب نُوحِيهِ إِلَيْكَ} خبران له. {وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ} كالدليل عليهما والمعنى: أن هذا النبأ غيب لم تعرفه إلا بالوحي لأنك لم تحضر إخوة يوسف حين عزموا على ما هموا به من أن يجعلوه في غيابة الجب، وهم يمكرون به وبأبيه ليرسله معهم، ومن المعلوم الذي لا يخفى على مكذبيك أنك ما لقيت أحدًا سمع ذلك فتعلمته منه، وإنما حذف هذا الشق استغناء بذكره في غير هذه القصة كقوله: {مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هذا}.
{وَمَا أَكْثَرُ الناس وَلَوْ حَرَصْتَ} على إيمانهم وبالغت في إظهار الآيات عليهم. {بِمُؤْمِنِينَ} لعنادهم وتصميمهم على الكفر.
{وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ} على الإنباء أو القرآن. {مِنْ أَجْرٍ} من جعل كما يفعله حملة الأخبار. {إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ} عظة من الله تعالى. {للعالمين} عامة.
{وَكَأَيّن مِن ءايَةٍ} وكم من آية. والمعنى وكأي عدد شئت من الدلائل الدالة على وجود الصانع وحكمته وكمال قدرته وتوحيده. {فِي السموات والأرض يَمُرُّونَ عَلَيْهَا} على الآيات ويشاهدونها. {وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها. وقرئ: {والأرض} بالرفع على أنه مبتدأ خبره: {يَمُرُّونَ}، فيكون لها الضمير في: {عَلَيْهَا} وبالنصب على ويطؤون الأرض. وقرئ: {والأرض يمشون عليها} أي يترددون فيها فيرون آثار الأمم الهالكة.
{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بالله} في إقرارهم بوجوده وخالقيته. {إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ} بعبادة غيره أو باتخاذ الأحبار أربابًا. ونسبة التبني إليه تعالى، أو القول بالنور والظلمة أو النظر إلى الأسباب ونحو ذلك. وقيل الآية في مشركي مكة. وقيل في المنافقين. وقيل في أهل الكتاب.
{أَفَأَمِنُواْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مّنْ عَذَابِ الله} عقوبة تغشاهم وتشملهم. {أَوْ تَأْتِيَهُمُ الساعة بَغْتَةً} فجأة من غير سابقة علامة. {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} بإتيانها غير مستعدين لها.
{قُلْ هذه سَبِيلِى} يعني الدعوة إلى التوحيد والإِعداد للمعاد ولذلك فسر السبيل بقوله: {ادعوا إِلَى الله} وقيل هو حال من الياء. {على بَصِيرَةٍ} بيان وحجة واضحة غير عمياء. {أَنَاْ} تأكيد للمستتر في: {أَدْعُو} أو: {على بَصِيرَةٍ} لأنه حال منه أو مبتدأ خبره: {على بَصِيرَةٍ}. {وَمَنِ اتبعنى} عطف عليه. {وَسُبْحَانَ الله وَمَا أَنَاْ مِنَ المشركين} وأنزهه تنزيهًا من الشركاء.
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالًا} رد لقولهم: {لَوْ شَاء رَبُّنَا لأَنزَلَ ملائكة} وقيل معناه نفي استنباء النساء: {يُوحِي إِلَيْهِمُ} كما يوحي إليك ويميزون بذلك عن غيرهم. وقرأ حفص: {نُوحِي} في كل القرآن ووافقه حمزة والكسائي في سورة الأنبياء. {مّنْ أَهْلِ القرى} لأن أهلها أعلم وأحلم من أهل البدو. {أَفَلَمْ يَسِيرُواْ في الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عاقبة الذين مِن قَبْلِهِمْ} من المكذبين بالرسل والآيات فيحذروا تكذيبك، أومن المشغوفين بالدنيا المتهالكين عليها فيقلعوا عن حبها. {وَلَدَارُ الآخرة} ولدار الحال أو الساعة أو الحياة الآخرة. {خَيْرٌ لّلَّذِينَ اتقوا} الشرك والمعاصي. {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} يستعملون عقولهم ليعرفوا أنها خير. وقرأ نافع وابن عامر وعاصم ويعقوب بالتاء حملًا على قوله: {قُلْ هذه سَبِيلِى} أي قل لهم أفلا تعقلون.
{حتى إِذَا استيئس الرسل} غاية محذوف دل عليه الكلام أي لا يغررهم تمادي أيامهم فإن من قبلهم أمهلوا حتى أيس الرسل عن النصر عليهم في الدنيا، أو عن إيمانهم لانهماكهم في الكفر مترفهين متمادين فيه من غير وازع. {وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ} أي كذبتم أنفسهم حين حدثتهم بأنهم ينصرون، أو كذبهم القوم بوعد الإِيمان. وقيل الضمير للمرسل إليهم أي وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوهم بالدعوة والوعيد. وقيل الأول للمرسل إليهم والثاني للرسل أي وظنوا أن الرسل قد كذبوا وأخلفوا فيما وعد لهم من النصر وخلط الأمر عليهم. وما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن الرسل ظنوا أنهم أخلفوا ما وعدهم الله من النصر، إن صح فقد أراد بالظن ما يهجس في القلب على طريق الوسوسة. هذا وأن المراد به المبالغة في التراخي والإِمهال على سبيل التمثيل. وقرأ غير الكوفيين بالتشديد أي وظن الرسل أن القوم قد كذبوهم فيما أوعدوهم. وقرئ: {كَذَّبُواْ} بالتخفيف وبناء الفاعل أي وظنوا أنهم قد كذبوا فيما حدثوا به عند قومهم لما تراخى عنهم ولم يروا له أثرًا. {جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّىَ مَن نَّشَاء} النبي والمؤمنين وإنما لم يعينهم للدلالة على أنهم الذين يستأهلون أن يشاء نجاتهم لايشاركهم فيه غيرهم وقرأ ابن عامر وعاصم ويعقوب على لفظ الماضي المبني للمفعول. وقرئ {فنجا}. {وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ القوم المجرمين} إذا نزل بهم وفيه بيانه للمشيئين: {لَقَدْ كَانَ في قَصَصِهِمْ} في قصص الأنبياء وأممهم أو في قصة يوسف وإخوته. {عِبْرَةٌ لأُوْلِي الألباب} لذوي العقول المبرأة من شوائب الإِلف والركون إلى الحس. {مَا كَانَ حَدِيثًا يفترى} ما كان القرآن حديثًا يفترى. {ولكن تَصْدِيقَ الذي بَيْنَ يَدَيْهِ} من الكتب الإِلهية. {وَتَفْصِيلَ كُلّ شَيْء} يحتاج إليه في الدين إذ ما من أمر ديني إلا وله سند من القرآن بوسط أو بغير وسط. {وهدى} من الضلال. {وَرَحْمَةً} ينال بها خير الدارين. {لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} يصدقونه. اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري في الآيات السابقة:

{وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103)} إلى قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)}
التفسير:
{ذلك} الذي ذكر من نبأ يوسف هو من أخبار الغيب وقد مر تفسير مثل هذا في آخر قصة زكريا في سورة آل عمران. ومعنى إجماع الأمر العزم عليه كما مر في سورة يونس في قصة نوح. وأراد عزمهم على إلقاء يوسف في البئر وهو المكر بعينه وذلك مع سائر الغوائل من المجيء على قميصه بدم كذب ومن شراهم إياه بثمن بخس. قال أهل النظم: إن كفار قريش وجماعة من اليهود طلبوا هذه القصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبيل التعنت، فاعتقد رسول الله أنه إذا ذكرها فربما أمنوا فلما ذكرها لهم أصروا على كفرهم فنزل: {وما أكثر الناس} أي أكثر خلق الله المكلفين أو أكثر أهل مكة قاله ابن عباس. {ولو حرصت} جوابه مثل ما تقدم أي ولو حرصت فما هم: {بمؤمنين} والحرص طلب الشيء بأقصى ما يمكن من الاجتهاد ونظير الآية قوله: {إنك لا تهدي من أحببت} [القصص: 56]: {وما تسألهم عليه} على ما تحدثهم به: {من أجر} كما سأل القاص: {إن هو إلا ذكر} عظة من الله: {للعالمين} عامة على لسان رسوله. {وكأين من آية} الأكثرون على أنه لفظ مركت بمن كاف التشبيه وأيّ التي هي في غاية الإبهام إذا قطعت عن الإضافة لكنه انمحى عن الجزأين معناهما الإفرادي وصار المجموع كاسم مفرد بمعنى كم الخبرية.
والتمييز عن الكاف لا عن أي كما في مثلك رجلًا، والأكثر إدخال من في تمييزه وقد مر في سورة البقرة في تفسير قوله سبحانه: {إن في خلق السموات والأرض} [الآية: 164] وفي مواضع أخر تفصيل بعض الآيات السماوية والأرضية الدالة على توحيد الصانع وصفات جلاله. ومن جلمة الآيات قصص الأوّلين وأحوال الأقدمين. ومعنى: {يمرون عليها} أشياء يشاهدونها: {وهم عنها معرضون} لا يعتبرون بها. وقرئ: {والأرض} بالرفع على الابتداء خبره: {يمرون} والمراد ما يرون من آثار الأمم الهالكة وغير ذلك من العبر. والحاصل أن جملة العالم العلوي والعالم السفلي محتوية على الدلائل والبينات على وجود الصانع ونعوت كماله ولكن الغافل يتعامى عن ذلك. {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} وذلك أنهم كانوا مقرين بإلاله: {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله} [لقمان: 25] لكنهم كانوا يثبتون له شريكًا في المعبودية هو الأصنام ويقولون: هم الشفعاء. وكان أهل مكة يقولون: الملائكة بنات الله. وعن الحسن: هم أهل الكتاب يقولون عزير ابن الله والمسيح ابن الله. وعن ابن عباس: هم الذين يشبهون الله بخلقه. احتجت الكرامية بالآية على أن الإيمان عبارة عن مجرد الإقرار. والجواب أن مجرد الإقرار لو كان كافيًا لما اجتمع مع الشرك غاشية عقوبة تغشاهم وتغمرهم. {قل} يا محمد لهم: {هذه} السبيل التي هي الدعوة إلى الإيمان: {سبيلي} وسيرتي وقوله: {أدعو إلى الله} تفسير ل: {سبيلي} و: {على بصيرة} يتعلق بأدعوا و: {أنا} تأكيد للمستتر في أدعو: {ومن اتبعن} عطف عليه ويجوز أن يكون: {على بصيرة} حالًا من أدعو عاملة في: {أنا ومن اتبعن}، ويجوز أن يكون: {أنا} مبتدأ معطوفًا عليه و: {من اتبعن} و: {على بصيرة} خبرًا مقدمًا فيكون ابتداء إخبار بأنه ومن اتبعه على حجة وبرهان لا على هوى وتشهٍ: {و} قل: {سبحان الله} تنزيهًا له عما أشركوا: {وما أنا من المشركين} لا شركًا جليًا ولا شركًا خفيًا.
قال: {وما أرسلنا من قبلك} وفي الأنبياء: {قبلك} [الأنبياء: 7] بغير من لأن قبلًا اسم للزمان السابق على ما أضيف إليه ومن تفيد استيعاب الطرفين، وفي هذه السورة أريد الاستيعاب. قوله: {إلا رجالًا} ردّ على من زعم أن الرسول ينبغي أن يكون ملكًا أو يمكن أن يكون امرأة مثل سجاح المتنبئة. وقوله: {من أهل القرى} خصهم بالاستنباء لما في أهل البادية في الغلظ والجفاء: {فبما رحمة من الله لنت لهم} [آل عمران: 159] قال صلى الله عليه وسلم: «من بدا جفا ومن اتبع الصيد غفل»: {أفلم يسيروا في الأرض فينظروا} إلى مصارع الأمم المكذبة إنما قال: {أفلم يسيروا} بالفاء بخلاف ما في الروم والملائكة لاتصاله بقوله: {وما أرسلنا من قبلك} فكان الفاء أنسب من الواو: {ولدار الآخرة} موصوفه محذوف أي ولدار الساعة والحال الآخرة لأن للناس حالين: حال الدنيا وحال الآخرة.
وبيان الخيرية قد مر في الأنعام. وإنما خصت هاهنا بالحذف لتقدم ذكر الساعة. قال في الكشاف: حتى غاية لمحذوف دل عليه الكلام والتقدير فتراخى نصر أولئك الرجال حتى إذا استيأسوا عن النصر أو عن إيمان القوم: {وظنوا أنهم قد كذبوا} فيه وجوه لقراءتي التخفيف والتشديد ولإمكان عود الضمير في الفعلين إلى الرسل أو إلى المرسل إليهم الدال عليهم ذكر الرسل أو السابق ذكرهم: {أفلم يسيروا} وأما وجوه التخفيف فمنها: وظن الرسل أنهم قد كذبوا أي كذبتهم أنفسهم حين حدثتهم بأنهم ينصرون، أو كذب رجاؤهم لقولهم رجاء صادق وكاذب. والمراد أن مدة التكذيب والعداوة من الكفار وانتظار النصر من الله قد تطاولت وتمادت حتى توهموا أن لا نصر لهم في الدنيا. قال ابن عباس: ظنوا حين ضعفوا وغلبوا أنهم قد أخلفوا ما وعدهم الله من النصر. قال: وكانوا بشرًا ألا ترًا إلى قوله: {وزلزلوا} والعلماء حملوا قول ابن عباس على ما يخطر بالبال شبه الوسواس وحديث النفس من عالم البشرية. وأما الظن الذي هو ترجيح أحد الجانبين على الآخر فلا، لأن الرسل أعرف الناس بالله وبأن ميعاده مبرأ عن وصمة الأخلاف. ومنها وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوا فيما وعدوا من النصر والظفر. ومنها وظن المرسل إليهم أنهم قد كذبوا من جهة الرسل أي كذبتهم الرسل في أنهم ينصرون عليه ولم يصدقوهم فيه. وأما قراءة التشديد فإن كان الظن بمعنى اليقين فمعناه أيقن الرسل أن الأمم كذبوهم تكذيبًا لا يصدر عنهم الإيمان بعد فحينئذ دعوا عليهم فهناك نزل عذاب الاستئصال، أو كذبوهم فيما وعدوهم من العذاب والنصرة عليهم. وإن كان بمعنى الحسبان فالمعنى توهم الرسل أن الذين آمنوا بهم كذبوهم وهذا تأويل عائشة قالت: ما وعد الله محمدًا شيئًا إلا وعلم أنه سيوفيه، ولكن البلاء لم يزل بالأنبياء حتى خافوا من أن يكذبهم الذين كانوا قد آمنوا بهم.
{لقد كان في قصصهم} قصص الرسل إضافة للمصدر إلى الفاعل، ويحسن أن يقال: الضمير لإخوة يوسف وله لاختصاص هذه السورة بهم. والعبرة نوع من الاعتبار وهي العبور من الطرف المعلوم إلى الطرف المجهول، ووجه الاعتبار على العموم أن يعلم أنه لا خير إلا في العمل الصالح والتزوّد بزاد التقوى فإن الملوك الذي عمروا البلاد وقهروا العباد ثم لم يراعوا حق الله في شيء من ذلك ماتوا وانقرضوا وبقي الوزر والوبال عليهم. وعلى الخصوص أن الذي قدر على إعزاز يوسف بعد إلقائه في الجب وإعلاء شأنه بعد حبسه في السجن واجتماعه بأهله بعد طول البعاد قادر على إظهار محمد وإعلاء كلمته.
والكل مشترك في الدلالة على صدق محمد لأن هذا النوع من القصص الذي أعجز حملة الأحاديث ورواة الأخبار ممن لم يطالع الكتب ولم يخالط العلماء دليل ظاهر وبرهان باهر على أنه بطريق الوحي والتنزيل، وإنما يكون دليلًا واعتبارًا: {لأولي الألباب} وأصحاب العقول الذين يتأملون ويتفكرون لا الذين يمرون ويعرضون على أن الدليل دليل في نفسه للعقلاء وإن لم ينظر فيه مستدل قط كما أن الرئيس الحقيقي من له أهلية الرياسة وإن كان في نهاية الخمول: {ما كان} مدلول القصص وهو المقصوص أو القرآن: {حديثًا يفترى} لظهور إعجازه: {ولكن} كان: {تصديق الذي بين يديه} من الكتب السماوية: {وتفصيل كل شيء} يحتاج إليه في الدين لأنه القانون الذي يستند إليه السنة والإجماع والقياس. وقيل: تفصيل كل شيء من واقعة يوسف مع أبيه وإخوته قال الواحدي: وعلى التفسيرين فهو ليس على عمومه لأن المراد به الأصول والقوانين وما يؤل إليها: {وهدى} في الدنيا: {ورحمة} في الآخرة: {لقوم يؤمنون} لأنهم هم المنتفعون بذلك. اهـ.

.قال الخطيب الشربيني في الآيات السابقة:

{ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102)}
ولما تمّ الذي كان من أمر يوسف عليه السلام وإخوته على الوجه الأحكم، والصراط الأقوم من ابتدائه إلى انتهائه قال تعالى مشيرًا إلى أنه دليل كاف في تصحيح نبوّته صلى الله عليه وسلم بقوله: {ذلك}، أي: الذي ذكرته لك يا محمد من قصة يوسف عليه السلام وما جرى له مع إخوته، ثم صار إلى الملك بعد الرق: {من أنباء الغيب}، أي: أخبار ما غاب عنك: {نوحيه إليك}، أي: الذي أخبرناك به من أخبار يوسف وحي أوحيناه إليك: {و} الحال إنك: {ما كنت لديهم}، أي: عند إخوة يوسف عليه السلام: {إذ}، أي: حين: {أجمعوا أمرهم}، أي: عزموا على أمر واحد، وهو إلقاء يوسف في الجب: {وهم يمكرون}، أي: يدبرون الأذى في الخفية بيوسف، والمعنى أنّ هذا النبأ غيب؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ما طالع الكتب ولا تتلمذ لأحد، ولا كانت البلدة بلدة العلماء، وإتيانه صلى الله عليه وسلم بهذه القصة الطويلة على وجه لا يقع فيه تحريف ولا غلط من غير مطالعة ولا تعلم، ومن غير أن يقال: إنه حاضر معهم لابد وأن يكون معجزًا وقوله تعالى: {وما كنت لديهم} ذكر على سبيل التهكم بهم؛ لأنّ كل أحد يعلم أنّ محمدًا صلى الله عليه وسلم ما كان معهم، ولما سألت قريش واليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نقله أبو حيان عن ابن الأنباري عن قصة يوسف عليه السلام، فنزلت مشروحة هذا الشرح الشافي مبينة هذا البيان الوافي فأمّل صلى الله عليه وسلم أن يكون ذلك سبب إسلامهم فخالفوا تأميله عزاه الله تعالى بقوله: {وما أكثر الناس}، أي: أهل مكة: {ولو حرصت} على إيمانهم: {بمؤمنين} لعنادهم وتصميمهم على الكفر وكان ذلك إشارة إلى ما ذكر الله تعالى في قوله تعالى: {إنك لا تهدي من أحببت ولكنّ الله يهدي من يشاء} [القصص] ثم نفى عنه التهمة بقوله تعالى: {وما تسألهم عليه}، أي: على تبليغ هذا الكتاب الذي أوحيناه إليك وأغرق في النفي فقال: {من أجر} حتى يكون سؤالك سببًا لأن يتهموك أو يقولوا: لولا أنزل عليه كنز ليستغن به عن سؤالنا، ثم نفى عن هذا الكتاب كل غرض دنيوي بقوله تعالى: {إن هو إلا ذكر}، أي: عظة من الله تعالى: {للعالمين} عامّة، ثم إنّ الله تعالى أخبر عنهم أنهم لما تأمّلوا الآيات الدالة على توحيده تعالى بقوله تعالى: {وكأين}، أي: وكم: {من آية} دالة على وحدانية الله تعالى: {في السموات} كالنيرين وسائر الكواكب والسحاب وغير ذلك مما لا يحصيه إلا الله تعالى: {والأرض} من الجبال والشجر والدوابّ وغير ذلك مما لا يحصيه إلا الله تعالى: {يمرّون عليها}، أي: يشاهدونها: {وهم عنها معرضون}، أي: لا يتفكرون فيها فلا عجب إذا لم يتأمّلوا في الدلائل على نبوّتك، فإن العالم مملوء من دلائل التوحيد والقدرة والحكمة، ثم إنهم يمرّون عليها ولا يلتفتون إليها. ولما كان ربما قيل: كيف يوصفون بالإعراض وهم يعتقدون أنّ الله تعالى فاعل تلك الآيات؟ بين أنّ إشراكهم سقط لذلك بقوله تعالى: {وما يؤمن أكثرهم بالله} حيث يقرّون بأنه الخالق الرازق: {إلا وهم مشركون} بعبادته الأصنام قال تعالى: {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولنّ الله} [الزخرف] لكنهم كانوا يثبتون شريكًا في العبودية. وعن ابن عباس أنّ هذه الآية نزلت في تلبية مشركي العرب كانوا يقولون في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك يعنون الأصنام. وعنه أيضًا أنّ أهل مكة قالوا: الله ربنا وحده لا شريك له والملائكة بناته فلم يوحدوا بل أشركوا، وقال عبدة الأصنام: ربنا الله وحده والأصنام شفعاؤنا عنده، وقالت اليهود: ربنا الله وحده وعزير ابن الله. وقالت النصارى: المسيح ابن الله. وقال عبدة الشمس والقمر: ربنا الله وحده وهؤلاء أربابنا، وقال المهاجرون والأنصار: ربنا الله وحده لا شريك له، ولما كان أكثر هؤلاء لا ينقادون إلا بالعذاب قال تعالى: {أفأمنوا} إنكار فيه معنى التوبيخ والتهديد: {أن تأتيهم} في الدنيا: {غاشية}، أي: نقمة تغشاهم وتشملهم: {من عذاب الله}، أي: الذي له الأمر كله كما أتى من ذكرنا قصصهم من الأمم: {أو تأتيهم الساعة بغتة}، أي: فجأة وهم عنها في غاية الغفلة وقوله تعالى: {وهم لا يشعرون}، أي: بوقت إتيانها قبله كالتأكيد لقوله: {بغتة}. ولما كان صلى الله عليه وسلم مبلغًا عن الله تعالى أمره أن يأمرهم باتباعه بقوله تعالى: {قل} يا أعلى الخلق وأصفاهم وأعظمهم نصحًا وإخلاصًا: {هذه}، أي: الدعوة إلى الله تعالى التي أدعو إليها: {سبيلي}، أي: طريقتي التي أدعو إليها الناس، وهي توحيد الله تعالى ودين الإسلام وسمي الدين سبيلًا؛ لأنه الطريق المؤدّي إلى ثواب الجنة: {أدعو إلى الله}، أي: إلى توحيده والإيمان به: {على بصيرة}، أي: حجة واضحة وقوله: {أنا} تأكيد للمستتر في أدعو على بصيرة؛ لأنه حال منه أو مبتدأ خبره على بصيرة وقوله: {ومن اتبعني}، أي: ممن آمن بي وصدق بما جاءني عطف عليه؛ لأنّ كل من ذكر الحجة وأجاب عن الشبهة فقد دعا بمقدور وسعه إلى الله، وهذا دلّ على أن الدعاء إلى الله إنما يحسن ويجوز مع هذا الشرط وهو أن يكون على بصيرة مما يقول ويقين، فإن لم يكن كذلك وإلا فهو محض الغرور، وقال صلى الله عليه وسلم: «العلماء أمناء الرسل على عباد الله» من حيث يحفظون ما يدعون إليه.